الذين يرحلون بهدوء

الذين يرحلون بهدوء

مسجي , ابتسامة صغيرة تزين شفتيه , نفس الشخص يقف ينظر إلي نفسه متعجبا من ذلك الوهج الذي يشعر به , يطالع إلي وجهه المبتسم ويده الشفافة يقربها من وجهه , يري كل شيء من حوله ولا يُري .

مُكِد , كم هو حار هذا الصيف , الياقة البيضاء متسخة من العرق , طريق مليء بذرات التراب التي تملأ أنفاسه وتخنق حلقه أكثر , رأسه الممتلئ بتل من المعلومات - يكاد يحمله جسده الضئيل – خطواته الثابتة من العمل إلي المنزل , فرحة اللقاء بنهاية اليوم بحفنة الأولاد مجتمعين من حوله , ابتسامة أخر الليل وهو يودع كل طرف منهم , تلك الوسادة التي تحتوي عبق يوم كامل .

سأعود غدا عندما تحمل الرياح رائحة الياسمين , قالها لمن حوله دون أن يسمعه احد أخر , كررها بصراخ لم يسمعها احد أيضاً , تكورت دموع في عينية , مكررها بتضرع ولم يلتفت إلية احد , كانت الدموع تملأ كل العيون من حوله , بدأ يشعر بتلك اليد التي توخز مرفقه , أحس بها , نعم شعر بها , التفت ليري تلك الصغيرة وهي تبتسم له , اقترب منها نظر إليها , لم يذكر كم دامت تلك النظرة , والابتسامة تشرق أكثر في وجه الصغيرة , التفت إليهم يحدثهم , يتجول بينهم , لا يشعر به احد , عاد مرة أخري إلي سكونه وأدرك انه في عالم تختلف فيه العوالم الأخرى , نظر إلي نفسه مرة أخري , وبكي ... وبكي , لم يدرك كم من الوقت بكي ولكنه لم يتوقف انهمرت منه الدموع كأنة لم يبكي من ألف عام , تحسس مرفقة الأخر وأدام النظر إلي وجهه الأخر , هو يبكي ووجهه الأخر يبتسم وهو مسجي ,كانت الجموع متجمهرة أمام رحلته , يسير بينهم , يتوقف أحيانا ويسرع وكانت هناك في نهاية الطريق تشده رياح إلي حيث لا يعلم , وشاهد الصغيرة تبتسم في نهاية الطريق , أسرع نحوها بقوة _ تمهل _ سمعها بكثرة من حوله ولكنه لم يلتفت إلي الأحاديث من حوله , أسرع أكثر ليلحق بها , هي من تشعر به , هي من تؤمن بوجوده , وتوقف انتهي المطاف , الجموع تنسحب بهدوء متوازية , جسده ينسدل بخفه , يرقب الموقف في خشوع ثم تستطع الأضواء في ذاكرته ومن بعيد كانت الصغيرة تكبر وتكبر وتكبر لتتشكل وجه لم يره من قبل وأغمض عينية ثم استراح